مؤتمر بلغراد.. منصة دولية لمواجهة الجريمة العابرة.. والمدير العام لجهاز المخابرات العامة يقود وفد السودان

مؤتمر بلغراد.. منصة دولية لمواجهة الجريمة العابرة.. والمدير العام لجهاز المخابرات العامة يقود وفد السودان

تقرير : إسماعيل محمود

تُعد الجريمة المُنظّمة أحد التحديات الأمنية المهمة عالميًّا؛ إذ ترتبط أنشطتها الإجرامية بشبكة متعددة المستويات ومعقدة الارتباطات. وقد تعددت تعريفات الجريمة المُنظّمة نظرًا لاختلاف منظور الدول لطبيعتها، إلا أن “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عابرة الحدود لعام 2000 تُعرّفها بأنها جماعة ذات هيكل تنظيمي، مُؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر، موجودة لفترة من الزمن، وتعمل بصورة متضافرة بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة وتشمل أنشطتها الإرهاب، والاتجار بالبشر، والآثار، والأسلحة المحظورة، والمخدرات، والسطو المسلح، وتقليد السلع، وغسل الأموال، وبعض الجرائم السيبرانية. ويزداد خطر هذه الشبكات في ظل التوترات الجيوسياسية وتنامي النزاعات التي توفر بيئة خصبة لتمدّدها.

انطلقت في العاصمة الصربية بلغراد أعمال مؤتمر “تأثير الجريمة المنظمة العابرة للحدود على أمن الدول”، بمشاركة 43 دولة إفريقية وحضور رئيس جمهورية صربيا ألكسندر فوتشيتش، بينما ترأس وفد السودان المدير العام لجهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم المفضل.. وجاء المؤتمر امتداداً لمسار دولي يتنامى منذ سنوات لمواجهة شبكات الجريمة التي تطوّرت أدواتها واتسع نطاق عملها ليشمل الاتجار بالبشر والسلاح والمخدرات وغسل الأموال، إضافة إلى ارتباطها المتزايد بالتنظيمات المسلحة والنزاعات الإقليمية.

خلفية وجذور

تعود خلفية هذا المؤتمر إلى الحاجة التي عبّرت عنها الدول منذ مطلع الألفية لتنسيق تحرك جماعي بينها ضد الجريمة المنظمة التي باتت أكثر تعقيداً وقدرة على اختراق الحدود.

واستضافت بلغراد خلال السنوات الماضية سلسلة لقاءات مشابهة هدفت لتجديد آليات التعاون الدولي وتبادل التجارب والخبرات الأمنية، وتعزيز قدرات الدول على مواجهة شبكات تتطور أسرع من أدوات المكافحة.

لحظة عالمية مضطربة

يأتي انعقاد المؤتمر في ظرف عالمي تتداخل فيه النزاعات والأزمات الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية، ما خلق بيئة تسمح بتمدّد الجريمة المنظمة وتحوّلها إلى تهديد مباشر لاستقرار الدول.

ومع مشاركة 43 دولة إفريقية، بدت القارة حاضرة بثقلها.. فهي مستشعرة خطورة المرحلة وحاجة دولها إلى توحيد المقاربة الأمنية، خصوصاً في ظل انتشار شبكات تستغل هشاشة الحدود والنزاعات المحلية.

حرب وجودية وتهديدات عابرة للحدود

أهمية هذا المؤتمر بالنسبة للسودان الذي يخوض حرباً وجودية مفروضة عليه من المليشيا المتمردة وابو ظبي التي تعمل على ممارسة كل الانتهاكات وقد كشفت تطورات الحرب طبيعة التهديدات العابرة للحدود سواء عبر وصول السلاح، والمرتزقة، أو شبكات التمويل التي تُطيل أمد الحرب بالضرورة.

ففي هذا السياق… تعتبر مشاركة السودان بقيادة الفريق أول مفضل خطوة محورية لتعزيز التعاون الأمني مع الدول المشاركة، بما يساعد على تتبع مصادر الدعم غير المشروع، وضبط حركة السلاح والأموال عبر الحدود، وتحسين قدرة الدولة على مواجهة التحديات التي تتجاوز حدودها الجغرافية.

انعكاسات متوقعة

تناولت جلسات المؤتمر آليات مكافحة الجريمة المنظمة، وبناء سياسات مشتركة لضبط الحدود وتطوير تبادل المعلومات حول شبكات الاتجار والسلاح وغسل الأموال والإرهاب.. وعلى المستوى الإفريقي، قد تسهم هذه المخرجات في خلق منظومة تعاون أوسع تحدّ من نشاط المجموعات الإجرامية المنتشرة في مناطق النزاع.

أما بالنسبة للسودان، فإن تطبيق هذه المخرجات يمكن أن يوفر دعماً إضافياً في كشف خطوط الإمداد غير المشروعة، الذي تقوده (دويلة الإمارات) وتحصين الجبهة الداخلية من تداعيات الصراع، وتعزيز قدرة مؤسسات الدولة على التعامل مع التهديدات المرتبطة بالحرب.

أبواب تعاون يحتاجه السودان وكل أفريقيا

أختم بقولي إن مشاركة السودان بقيادة المدير العام لجهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل في مؤتمر بلغراد تثبت أن التعاون الدولي أصبح ضرورة أمنية لا يمكن تجاهلها في عالم تتسارع تحوّلاته. فالجريمة المنظمة اليوم لم تعد نشاطاً معزولاً، بل شبكة تتغذى من النزاعات وتستفيد من هشاشة الدول. ومن شأن مخرجات المؤتمر مساعدة السودان وإفريقيا على بناء مقاربة أكثر (صلابة) في مواجهة التحديات العابرة للحدود، تمهيداً لمرحلة يسودها قدر أكبر من الاستقرار والأمان.