بقلم ✍ مرام البشير : مثلث الموت….حرب حفتر القادمة؟

بورتسودان:بلادي

• مما لا شك فيه أن القوى الإستعمارية الحديثة التي أشرفت على حرب السودان كان هدفها الرئيس إنفاذ مشروع تقسيمه الى دويلات من أجل إضعافه وتسهيل عملية الإستحواذ على قراره السياسي ؛ فمشروع التقسيم نجح في أكثر من دولة عربية ولنا في جوارنا الغربي “ليبيا” النموذج الأوضح على نجاح هذه الرؤية الإستعمارية.

• ليبيا أُريد لها أن تكون مُقسمة بواسطة فاعلين إقليميين ودوليين فتولى “الدب الروسي” الدعم الأكبر لحكومة الشرق الليبي على رأسها حفتر بإعتباره إمتداد للعلاقات التاريخية بين روسيا والقذافي في السابق لذلك أصبحت حكومة حفتر الحديقة الخلفية لبوتين خاصة بعض سقوط بشار الأسد حليفه في الشرق الأوسط لنجد أن ثقله العسكري في ليبيا تعاظم لاسيما بعد نقله الأسلحة والمرتزقة بجانب عتاد قواعده العسكرية في سوريا إلى شرق ليبيا.

• على الجانب الآخر في الغرب الليبي دعم “ديك البسفور” حكومة الوحدة الوطنية بالنيابة عن الحكومات الأوروبية والأمريكية فلا يُسمح لروسيا أن تنقض على الكيكة لوحدها لذلك تدخلت تركيا بإيعاز من أمريكا لتحمي مصالحها وتساعد أيضاً في إنفاذ مشروع التقسيم ؛ هذا النموذج الليبي كاد أن يُطبق في السودان ولكن إرادة الشعب السوداني وجيشه وقبل ذلك إرادة الله حالت دون ذلك ، حفتر لم يجد جيش كالجيش السوداني ليكسر شوكته منذ بداية تمرده بعد سقوط القذافي لذلك تمدّد وتوسّع وأصبح لاعب عسكري في المنطقة يسيطر على ثروة نفطية هائلة وحكومته أصبحت حكومة أمر واقع في الشرق الليبي تتعامل مع كافة المحاور الدولية والإقليمية.

• منذ بداية الحرب في السودان لم يتدخل حفتر بالصورة المتوقعة فهو لم ينخرط بثقله العسكري فيها ،تعامل معها بحذِر وتحفظْ شديدين بغض النظر عن الكتائب التي كانت تزود المليشيا المتمردة بالسلاح والوقود وبعض المؤن الإستراتيجية وبالطبع لم يكن الدعم مجاناً وإنما بمقابل مالي ضخم؛ فكتيبة سُبل السلام السلفية التي كان المنوط بها التعامل والتنسيق مع المليشيا المتمردة بحكم سيطرتها على مواقع قريبة منها في الجنوب الليبي كانت توفر الوقود للمليشيا بالآلاف الدولارات ، فهى تعمل في تجارة الوقود وتُعتبر الموزع الأكبر للوقود الليبي المتدفق من حقول ليبيا الشرقية لدول الجوار وهذا العمل يعتبر مصدر دخل مهم لأفراد الكتيبة.

• إذن لماذا لم يتدخل حفتر وكتائبه لدعم المليشيا بصورة أعمق من ذلك حيث كان في مقدوره لعب دور أكبر في هذه الحرب؟الأجابة تتمثل في إعتبارات كثيرة أهمها التنافس الخفي بين حفتر وحميدتي فالمليشيات هي الأخري تتنافس على مناطق النفوذ والسيطرة كما الدول ،مليشيا الدعم السريع كانت أكبر منافس لحفتر في تلك المنطقة عندما كانت في عِز سطوتها ونفوذها ،الإتحاد الأوروبي بجانب دول أخرى كإيطاليا وفرنسا الذين هم أهم العملاء لحفتر تواصلوا مع حميدتي ووعدوه بلعب دور بارز في تلك المنطقة في العام ٢٠١٦م ولولا تمرد المليشيا وإنهزامها أمام الجيش السوداني لكان الوضع مختلف الآن.

• ظهر حفتر للمجتمع الدولي بإعتباره العسكري الحارس لممرات “السُمبك” الأفريقي كما لعب دور الشرطي المطيع لكل من مصر وتونس والجزائر ودول من غرب إفريقيا عندما ساعدها في قضايا مكافحة الإرهاب والحد من نشاط الجماعات التكفيرية والمنظمات الإجرامية العابرة للحدود ؛ كان هذا من خلال الإمكانيات العسكرية الخاصة والتسليح النوعي لقواته مما جعله رجل المهام الصعبة بالنسبة لتلك الدول فحاز على رضا كثير من الأطراف والمحاور ناهيك عن كاريزما القيادة التي يمتلكها وخلفيته العسكرية بإعتباره أحد أهم ضباط نظام القذافي سابقاً ؛ لذلك ما كان له أن يسمح لمليشيا متفلتة بأن تتنامي في النفوذ بالقرب من مناطقه وما كان ليسمح بسقوط السودان أو جزء منه في يد هذه المليشيا لما ستفتحه عليه من جبهات تهريب وإرهاب لن يستطيع تحمل كُلفتها كما أن تمكّن المليشيا وإستقواءها في السودان سيكون خصماً عليه لأنها ستخطف منه الأنظار العربية والأجنبية في كثير من القضايا.

• “مليشيا واحدة تكفي” أعتقد كان هذا تفكير حفتر الإستراتيجي عندما أنتظر هزيمة المليشيا على يد الجيش السوداني ليقوم بإستخدمها وهي في أضعف حالاتها في لعبته السياسية فقام بإحتلال المثلث أولاً من أجل إعادة علاقاته الفاترة مع مصر فعلاقته مع السيسي في الآونة الأخيرة لم تكن على مايرام حتى أن زيارته لمصر في يناير من هذا العام كانت الأولى مُنذ ثلاث سنوات ؛ ثانياً من أجل بناء علاقات رسمية مع السودان الذي ظل الدولة الوحيدة التي لم تخطو خطوات جادة تجاه تطبيع علاقاتها مع حكومته وبذلك يقوم بتوجيه ضربة سياسية لحكومة الوحدة الوطنية المنافس الشرعي له ويضمن نفوذ سياسي وعسكري استعداداً لحربه الفاصلة نحو طرابلس.

• في إعتقادي بعد إحتلال المليشيا للمثلث لم تكن الخيارات أمام مصر كثيرة خاصة بعد إنسحاب الجيش السوداني الذي أربك حساباتها الأمنية، ذلك الإنسحاب الذكي الذي حوّل الهجوم إلى قضية أمن إقليمي مما دفع بالسيسي لإختيار أمن مصر رغم الإغراءات المهولة التي قدمتها أبوظبي من أجل تحجيم دوره في حرب السودان ومنعه من التدخل فيها ، لذلك قد تُغامر مصر بعلاقاتها مع أبوظبي بسبب ملف السودان الذي ظهراً جلياً حجم الشُقة بين الدولتين بخصوصه ناهيك عن تباعد عواصم دول عربية وأجنبية كثيرة مع أبوظبي بسبب سلوكها الإجرامي تجاه السودان وعدم تواجدها في مؤتمر بروكسل الأخير أكبر دليل على ذلك.

• من جانب آخر فإن الحكومة السودانية لم تكن تريد المضي قدماً في خيار المواجهة العسكرية وفتح جبهات جديدة للجيش “هو في غنى عنها” لذلك استخدمت إستراتيجية ضرب الخصم بحلفاءه وأصبح لسان حالها يتسأل ماذا يستفيد السودان من معاداة رجل كحفتر؟؟ لماذا لا يكون للسودان علاقات رسمية مع الحكومتين في ليبيا كغيرنا من الدول المجاورة والإقليمية التي لها مصالح مع الطرفين ، فإذا كانت تركيا نفسها وطدت علاقاتها مع حفتر وأبناءه وهذا ما شاهدناه في الزيارة الرسمية التي قام بها صدام حفتر “قائد القوات البرية للجيش الوطني الليبي” لتركيا في أبريل المنصرم ولحقته عدد من الزيارات العسكرية لتركيا في أواخر يونيو الماضي ، ما الذي يضيرنا نحن؟ أعتقد أن لقاء البرهان مع حفتر في مدينة العلمين هو إنعكاس لهذا التفكير المنفتح من الحكومة وكذلك هو مفتاح الإجابة على هذه الأسئلة الملحة فالسودان أصبح ينظر لعلاقاته الخارجية بصورة أكثر نضجاً ووعياً بغض النظر عن مصالح الآخرين التي دائما ما تكون خصماً على استقرار السودان وشعبه لذلك يمكننا القول أننا مُقبلون على مشهد دولي وإقليمي جديد سيضمن للسودان نهاية عقود العُزلة والحروب وبداية لعقود النهضة والتنمية والإستقرار.

اللهم_برداً_وسلاماً_على_السودان